Header Ads

الجهاديون وضرورة تحديد وظيفة السلطة فى المجتمع وصلاحياتها

فى 29 من شهر ديسمبر  خرجت  فى إدلب مظاهرة ضد جبهة النصرة بعد تعرض سوريات للتضييق من قبل عناصر فى جبهة النصرة لإرتدائهن للباس غير شرعى بجسب توصيفهم. كان هذا الخبر ليمر مرور الكرام لو لم يتزامن مع حملة فى تويتر لحل دار القضاء - الهيئة القضائبة لجبهة النصرة- وانتقادات حادة لها من نشطاء اسلامين أخرين. أحد هذه الاتهامات التى وجهت للهيئة كان التدخل العميق فى نمط معيشة الناس؛ حظر لعب النرد وألعاب الفيديو مثلا فى حريتان فى حلب.

هذه الحادثة ومثيلاته تبرز حاجة الجماعات الجهادية الماسة والضرورية لتحديد وظيفة السلطة فى المجتمع وكذالك صلاحياتها لأنفسهم ولغيرهم؛ لأنفسهم ليعرفوا مهمتهم، وللشعوب لتقبلها أو يرفضها. فإذا كان مثل هذه التصرفات تؤدى الى مظاهرات وصدامات والحركات المجاهدة  فى مرحلة الجهاد وليست سلطة شرعية  بعد، فكيف اذا اصارت حاكمة؟ ألا يعيد هذا الى الاذهان تجارب فاشلة لجماعات جهادية اخرى فى  مناطق اخرى ؛ حركة الشباب المجاهدين فى الصومال مثلا التى فرضت على السكان فى مناطق سيطرتها تسريحات شعر معينة وبنطلونات من نوع معين؟ وإذا كانت نفس التصرفات تتكرر من هذه الجماعات، فماذا يكون توصيفهم عندما ينتظرون نتائج مختلفة؟

وهذا التحديد لم يمكن أكثر إلحاحا كما هو اليوم. فعدم الجزم فى نوعية الدولة الاسلامية، وماهية وظيفتها الاجتماعية، وحدود صلاحيتها، ومكانة الحريات الشخصية فيها، كان ولا يزال عائقا امام الحركات الاسلامية من الانتقال من حركات معارضة الى حكام. فالشعوب العربية الناقمة على الأنظمة قد تتعاطف مع الحركات المقاومة والمعارضة أيا كانت، ولكنها –وهى الثائرة لحرياتها وكرامتها- لكي تسلم اليهم أمرها فلا بد ان تطمئن الي رؤيتهم للسلطة قبل أي شىء اخر؛ فالشعوب ليست على استعداد لاستبدال أنظمة علمانية استبدادية  بأنظمة أخرى شمولية تحشر أنفسها في كل صغيرة وكبيرة من حياتهم باسم الدين. ووفقا لآخر إستطلاع رأي نشره المركز العربى للأبحاث فى الدوحة فإن 43% من المواطنين العرب عندهم مخاوف من تزايد نفوذ الحركات الإسلامية السياسية. فإذا كان ذالك حال الحركات الإسلامية السياسية المشاركة فى العملية السياسية، فعلى الحركات الجهادية أن تتخيل قلق ومخاوف الناس تجاههم.

نعم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن كيف؟
يتفق الإسلاميون أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من وظائف الدولة والمجتمع الرئيسية  مستدلين بنص الأية " الذين إن مكنا لهم فى الارض ..وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر." ولكن يبقى السؤال: كيف يكون ذالك؟ وما مدى صلاحيات السلطة فى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فالمعروف درجات كما أن المنكر درجات! فإقامة العدل بين الناس معروف، وكذالك الدعوة الى الصدقة ، ولأن  كان استخذام السلطة للقوة لتنفيذ الأول مشروعا، فهل هى كذالك  فى حالة الثاني؟ ثم هناك التمييز الواجب بين ما هو شرع "قانون" وما هو اخلاقى "فضيلة"، والدولة او السلطة وجدت لتنفيذ وحفظ الاولى، بينما هى وظيفة المجتمع  المحافظة على الأخير. فهل لدى الجهاديين مثل هذا التمييز؟ وحينما يتم إقحام السلطة فى المجال الثانى "الاخلاقى" تنشأ مشكلة الدولة المتغولة.

المشكلة ليست فى تحديد هذه العلاقة  وفق الشريعة الغراء وفقط، وانما فى ضرورة التجديد في هذا التحديد مع ما يتواكب مع التطور الحاصل فى مفهموم الدولة ووظيفتها، فالحياة الاسلامية –على الأقل كما يدعوا إليها الجهاديون- غابت عن الناس لقرون، ثم يأتون لاستئنافها كما كانت فى القرن الاول بحالتها المثالية ولو بالقوة. فليس هناك تجارب حديثة للاسترشاد بها  او فقه عصرى مدون فى هذا المجال.
ومهمة هذا التجديد هى تنظيم العلاقة بين السلطة والشعب، أو بالأحرى تحديد "وبدقة" دور السلطة فى حياة الفرد والمحتمع ككل، ورسم حدود هذا الدور، وذالك بقوانين ولوائح ملزمة، فهذه طريقة القرن الواحد والعشرين، وليس بالأعتماد على فقه الحاكم ووازعه الأخلاقى.

ففي عصر  النبوة والخلافة الراشدة لم تكن هناك حاجة لتقنين هذه العلاقة وتدوينها، إذ كانت واضحة للحاكم والمحكوم بصورة متساوية. وقصة تسلق عمر الدار على شاربي الخمر دليل على ذالك. فعمر-السلطة- يقبض متهمين على الجرم، إلا أنه بتسلقه الدار ودخوله عليهم  بدون إذن أفسد تحقيقه، فيواجهه المتهمون بجرمه! –إنتهاك حرمة بيتهم والتجسس عليهم- ويرجع عمر محظوظا أن القوم لن يرفعوا عليه دعوى فى المحكمة! وفى رواية أصح إسنادا عمر سمعهم من وراء الجدار فاستشار مرافقه، فأجاب عليه: ليس النا حق فى التجسس عليهم، فانصرف الفاروق دون ان يسألهم شيئا! 
أخيرا قد يعترض قائل بأن الحركات المجاهدة لا وقت لديها من أجل هذه الدراسات التشريعية النظرية؟ و لهذا المعترض أقول: ربما ليست لديها وقت لهذه الأبحاث، ولكن من الواضح أن لديها الوقت لحظر ألعاب الفيديو والنرد والمقدرات الكافية لتصرفه على ملاحقة المخالفين لهذا الحظر! ومن ثم من قال بأن المجاهدين يجب ان يقوموا بهذه البحوث بأنفسهم؟ فهذا عمل المختصين من القانونيين، لكن تبقى مسؤوليتهم فى عدم التصرف فى حياة الناس بدون سند شرعى، وتوكيل من يؤصل ويضع القوانين السايرة المفعول عند الحاجة للتنظيم، كما تفعل المؤسسات المحترمة، وتبنىها اذا طرحت عليهم مثل هذه التشريعات.

No comments

Powered by Blogger.