Header Ads

ماذا تكسب تركيا فى الصومال
مع زيارة أردوغان الأخيرة لمقديشو يتجدد تعجب الصوماليون من الحماس الكبير الذى يبديه الأتراك فى مساعدتهم دون ان يشاهدوا فى بلدهم ما يمكن أن يغرى الأتراك أو أي أحد آخر؛ فالبلد أنهكته الحرب الأهلية ويعد مرتعا للفقر والخطر، فلاهو يصلح سوقا لتسويق المنتجات التركية ولا يوجد ثروات ملموسة يتنفاس عليها. وفى المقابل يستمر الدعم التركى وكأنه بلا نهاية،  فمن اعادة إعمار مقديشو وترميم المطار وإرسال عشرات الطلاب فى منح دراسية الى تركيا، وأخيرا إفتتاح المستشفى العصرى، يندهش المراقب من سر هذا الكرم الحاتمى، (التركي عفوا). هناك الكثير من المخاطرة فى الجزم  في أسباب هذا التوجه التركي، إلا إن من السلامة أن نقول إن الدور التركى فى الصومال جزء من استراتيجيتها للوصول الى القارة الأفريقية والأعتراف بأهميتها، وأهمية الصومال لها تنبع من كونها قد تمثل نقطة أرتكاز و انطلاق لها في منطقة القرن الأفريقى التى انقطعت 
.صلاتها بها منذ ايام العثمانيين ، وتجربة ناحجة يمكن البناء علية فى المستقبل لفعالية قوتها الناعمة

أهمية المنطقة:
الشرق الأفريقى إلى جانب أنه يطل على  أكثرمن ممر من أهم ممرات التجارة فى العالم يمثل سوق ضخم للدول المنتجة. فالاقليم يؤوى قرابة 100 مليون انسان مع قدرات شرائية متنامية مع النمو الأقتصادى التى تشهده المنطقة، و الإنفتاح الإقتصادى الغير مسبوق. والى جانب ذالك تجرى فى المنطقة عمليات تنقيب عن النفط والغاز.
فحجم التبادل التجارى بين دول المنطقة وتركيا تضاعف مرات منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة، وتظرة واحدة الى الى العلاقات بين ايثوبيا وتركيا كفيلة بكشف هذا التطور. فقيمة الاستثمارات التركية فى اييثوبيا تجاوزت  3 مليارات دولارات لتكون اكبر مستثمر اجنبي فيها، و التبادل التجاىرىيتوقع ان يصل لـ 
500مليون دولار فى 2015، وهناك اتفاق تجارة حرة سيتم توقيعه  بين البلدين حال والوصول لهذا الرقم.

 الا أن أهمية المنطقة لا تنتهى هناك عند الفرص التجارية الضخمة، فاحتمال اكتشاف النفط والغاز فى كل من الصومال وإيثوبيا يضيف إليها بعدا آخر. وتركيا مصممة على التواجد المبكر، فشركة جنيل للغاز بعد نجاحها فى كردستان تريد تكرار التجربة فى القرن الأفريقى، وعندها حقوق تنقيب  فى كل من ايثوبيا و صومال لند -الجمهورية الإنفصالية فى شمال الصومال الغير معترف بها عالميا-
كل هذه المصالح القابلة للنمو  يحتم على تركيا أن يكون لها شريك فى المنطقة الخالية حتى وقت قريب من أي تواجد لها. وهذا الشريك لا يمكن إلا أن يكون الصومال.

شريك فى المنطقة:

أن أي دولة تسعى لأن يكون لها تواجد مؤثر فى منطقة ما، لا بد أن يكون لها شريك فى المنطقة،  والصومال بالنسبة لتركيا هو ذاك الشريك. فرغم استثماراتها الضخمة  فى ايثوبيا إلا أن الاخيرة لا يمكنها أن تكون هذا الشريك، وكذالك كينيا وجيبوتى، لسببين اثنين؛ اولا لانعدام العلاقات التاريخية بين تركيا وكل
من هذه الدول، والثانى النفوذ الغربى الذى لا يمكن منافسته، الذى استثمر فيه عشرات السنين من العلاقات؛ كما في النفوذ الفرنسى فى جيبوتي. فحداثة الوجود التركى يحتم عليها البحث عن دولة عذراء – ان صح التعبير- .

يعزز هذه الرغبة التركية الوضع المتميز للأسلامين وخاصة حركة الأصلاح فى الحكومة الإتحادية، وعلاقة تركيا القريبة مع حركات الإخوان. فالحكومة الصومالية وان كانت مبينة على أسس المحاصصة القبلية الا ان نفوذ الاصلاح فيها متغوغل، فمن قصر الرئاسة مرورا بمجلس الوزءا الى قاعة البرلمان، الدولة الاتحادية واقعة تحت سيطرة الإصلاح الشبه كاملة.
وهذا النوع من الشراكة التى تريدها تركيا هو ربما سر تأكيد القادة الاتراك على الشراكة الاخوية بين البلدين،  و إعطاء اهتمام أكبر للجانب الثقافى كبناء المدارس والمساجد بعكس ما تفعله فى دول المنطقة الأخرى، حيث كان لافتا طغيان الجانب الإقتصادى فى زيارة أردوغان الأخيرة لأديس أبابا.

:قوة ناعمة

 نوع الشعبية الساحقة التى تتمتع به تركيا في الصومال يؤكد شيء واحد : النجاح القياسي لدبلوماستها الشعبية. فأردغان مع زيارته الثانية لمقديشوا أصبح بطل الشعب الصومالي بكافة اطيافه مما جعل سفير سابق أن يكتب : اردوغان بطل الصومال. تقدير الدور التركي لا يقتصر على السياسين والمثقفين ففي سابقة فى الصومال يصير إسم أردوغان –غير صومالى وعربى- من أكثر أسماء المواليد الجدد، وكذالك العلم التركى أوسع انتشارا حتى من الصومالي فى مقديشو، وهذا ما أدهش مراسل البى بى سى مارى هاربر ليعبر عن علاقة البلدين بالعلاقة الغرامية.
 ليس الصوماليون وحدهم من يعترف بجهود تركيا الإنسانية فاعترافا لجهودها الأنسانية حول العالم، تركيا الآن تنضم الى لجنة المساعدات الانسانية لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، بطلب من المنظمة.  
تركيا بالتاكيد ستستثمر  نجاحاتها فى العمل الانسانى كقوة ناعمة تضيفه الى رصيدها، وهى بصدد تسويق نموذحها للعالم فى القمة الانسانية التى تستضيفها فى اسطنبول فى العام المقبل، بحسب مدير وكالة الغوث التركية.
من الجدير بالذكر أن العمل الانسانى التركى لم يكن حصرا فى الصومال إلا ان نتائجه هنا مدهشة بحق، ففى فترة قصيرة نسبيا من 2011 تحديدا، انتشلوا هذا الدولة الفاشلة من مأساتها، واعادوا إليها الكثير من الأمل ، هذا على الأقل هذا ما يشعر به كثير من الصوماليين.
لا نبالغ اذا قلنا ان  افضل ما تحصل عليه تركيا من وجودها فى الصومال هو التجربة الناجحة لنهجها فى المساعدات الأنسانية، وما يجلبه ذالك من أفضلية فى العقود التجارية مستقبلا، خاصة وأن الصوماليون معروفون بالأحساس المفرط بالإمتنان لكل من يمد يد العون إليهم، وعلاقة صومال لند بإيثوبيا دليل على ذالك. فالشعور بالأمتنان للمساعدة التى حصلت عليها ابان حرب الاستقلال من الصومال الأم، كان ولا زال المحرك الأول لعلاقة صومال لند بجارتها. وليس هناك ما يدفعنا للإعتقاد بأن عقلية الجنوبيين تختلف عن تلك السائدة فى الشمال.

أولوية  في عقود تنقيب النفط :

من المستغرب أن المنطقة الوحيدة التى تمتلك شركة تركية حقوق فى التنقيب هى صومال لند، المنطقة التى حصلت على أقل نسبة من الإهتمام التركى؛ صومال لند. فشركة جنيل للطاقة  التركية تملك حقوق فى موقعين بنسب (75% و 50%) ومن المقرر أن تحفر بئرين هناك فى منتصف هذا العام.
إلا ان الشركة التركية قد تواجه إشكالية حقيقة لوجود المناطق التى تنقب فيها فى جمهورية صومال لند، التى تعتبرها الحكومة الإتحادية جزءا من الصومال لا يحق لأي أحد العمل فيها بدون ترخيص منها. إلا أن الادارة التركية تعمل  لحل هذه الأشكالية، وان بطريقة غير مباشرة، من خلال رعاية المفاوضات بين صومال لند والصومال، يتوقع ان تتضمن أجندة الجولة القادمة قضية تقرير المصير.
ولعل فى البيان الذي اصدرته الحكومة الفيدرالية الذى حذرت فيه شركة ARC الصينية من التنقيب فى إقليم أودل التابع لصومال لند وعدم التطرق لشأن جنيل التركية التى تعمل فى صومال لند ايضا، إشارة الى هذا الأفضلية التى تحظى بها تركيا. ونظرا لكل النفوذ والعلاقات التى تستثمره تركيا فى الصومال الآن، من المستبعد ان لا تنال حصة من العقود التى تعكف الادارة الفدرالية فى تنظيمها واصدارها للتنقيب عن النفط والغاز. 
وفى المحصلة، مساعدات تركيا للصومال قد كلفتها الملايين، الا انها كسبت بذالك الكثير؛ كسبت قلوب وعقول شعب بأكمله، وهذا الشعب قد لا يكون قادرا الآن على رد الجميل، الا أنه ليس من شيمه الجحود، وأفضلية فى عقود التنقيب عن النفط قد تكون الأولى ولكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة.

No comments

Powered by Blogger.